فصل: ومن باب النصيحة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الرجل يضع إحدى رجليه على الأخرى:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة حدثنا الليث، عَن أبي الزبير عن جابر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره».
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب أراه عن سعيد بن المسيب عن عبادة بن تميم عن عمه «أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مستلقيًا في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى».
قال الشيخ: يشبه أن يكون إنما نهى عن ذلك من أجل انكشاف العورة إذ كان لباسهم الأزر دون السراويلات. والغالب أن أزرهم غير سابغة والمستلقي إذا رفع إحدى رجليه على الأخرى مع ضيق الإزار لم يسلم أن ينكشف شيء من فخذه والفخذ عورة، فأما إذا كان الإزار سابغًا أو كان لابسه عن التكشف متوقيًا فلا بأس به وهو وجه الجمع بين الخبرين والله أعلم.

.ومن باب في القتات:

قال أبو داود: حدثنا مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: حَدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قتات».
قال الشيخ: القتات النمام وهو للقساس أيضًا، والنميمة نقل الحديث على وجه التضرية بين المرء وصاحبه.
قلت: وإذا كان الناقل لما يسمعه آثمًا فالكاذب القائل ما لم يسمعه أشد إثمًا وأسوأ حالًا.

.ومن باب الانتصار:

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا ابن عون حدثني علي بن زيد بن جدعان عن أم محمد امرأة أبيه عن عائشة رضي الله عنها «أن زينب بنت جش أقبلت تقحم لعائشة رضي الله عنها فنهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبت فقال لعائشة سبيها فسبتها فغلبتها».
قال الشيخ: قولها: «تقحم» معناه تعرض لشتمها وتتدخل عليها، ومنه قولهم فلان يتقحم في الأمور إذا كان يقع فيها من غير تثبت ولا روية.
وفيه من العلم إباحة الانتصار بالقول ممن سبك من غير عدوان في الجواب.

.ومن باب الحسد:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة فإذا هو يصلي صلاة خفيفة ذفيفة وذكر الحديث.
قال الشيخ: والذفيفة الخفيفة يقال رجل خفيف ذفيف وخفاف ذفاف بمعنى واحد.

.ومن باب الرجل يدعو على من ظلمه:

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا سفيان عن حبيب عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها «أنها سُرق لها شيء فجعلت تدعو عليه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبخي عنه».
قال الشيخ: قوله: «لا تسبخي» معناه لا تخففي عنه العقوبة بدعائك عليه، ومن هذا سبائخ القطن وهي القطع المتطايرة عن الندف، وقال أعرابي في كلامه الحمد لله على تسبيخ العروق وإساغة الريق.

.ومن باب النهي عن التهاجر:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال».
قال الشيخ: قوله: «لا تدابروا» معناه التهاجر والتصارم مأخوذ من تولية الرجل دبره أخاه إذا رآه وإعراضه عنه.
وقال مؤرخ قوله: «ولا تدابروا» معناه آسوا ولا تستأثروا واحتج بقول الأعشى:
ومستدبر بالذي عنده ** عن العاذلات وإرشادها

وقال بعضهم إنما قيل للمستأثر مستدبر لأنه يولي أصحابه إذا استأثر بشيء دونهم.
وأما الهجران أكثر من ذلك فإنما جاء ذلك في هجران الرجل أخاه في عتب وموجدة أو لنبوة تكون منه فرخص له في مدة ثلاث لقلتها وجعل ما وراءها تحت الحظر.
فأما هجران الولد الوالد والزوج الزوجة ومن كان في معناهما فلا يضيق أكثر من ثلاث وقد هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا.

.ومن باب الظن:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا».
قال الشيخ: قوله: «إياكم والظن» يريد إياكم وسوء الظن وتحقيقه دون مبادئ الظنون التي لا تملك. وقوله: «لا تجسسوا» معناه لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوا أخبارهم، والتحسس بالحاء طلب الخبر ومنه قوله سبحانه: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} [يوسف: 87] ويقال تجسست الخبر وتحسست بمعنى واحد.

.ومن باب إصلاح ذات البين:

قال أبو داود: حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي حدثنا أبو الأسود عن نافع يعنى ابن يزيد عن ابن الهاد أن عبد الوهاب بن أبي بكر حدثه عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة قالت: «ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلاّ في ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أعده كذبًا الرجل يصلح بين الناس ويقول القول لا يريد به إلاّ الإصلاح والرجل يقول في الحرب والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها».
قال الشيخ: هذه أمور قد يضطر الإنسان فيها إلى زيادة القول ومجاوزة الصدق طلبًا للسلامة ودفعًا للضرر عن نفسه، وقد رخص في بعض الأحوال في اليسير من الفساد لما يؤمل فيه من الصلاح. والكذب في الإصلاح بين اثنين هو أن ينمي من أحدهما إلى صاحبه خيرًا أو يبلغه جميلًا وإن لم يكن سمعه منه ولا كان إذنًا له فيه يريد بذلك الإصلاح. والكذب في الحرب هو أن يظهر من نفسه قوة ويتحدث بما يشحذ به بصيرة أصحابه ويقوي منتهم ويكيد به عدوهم في نحو ذلك من الأمور.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحرب خدعة» وكان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كثيرا ما يقول في حروبه صدق الله ورسوله فيتوهم أصحابه أنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول إنما أنا رجل محارب.
فأما كذب الرجل زوجته فهو أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك محبتها ويستصلح به خلقها.

.ومن باب كراهية الغناء والزمر:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عبد الله الغداني حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن نافع قال: «سمع ابن عمر رضي الله عنه مزمارًا فوضع إصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق، فقال يا نافع هل تسمع شيئًا قال فقلت لا، قال فرفع إصبعيه من أذنيه وقال إذ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا صنع مثل هذا».
قال الشيخ: المزمار الذي سمعه ابن عمر رضي الله عنه هو صفارة الرعاة، وقد جاء ذلك مذكورًا في هذا الحديث من غير هذه الرواية، وهذا وإن كان مكروهًا فقد دل هذا الصنع على أنه ليس في غلظ الحرمة كسائر الزمور والمزاهر والملاهي التي يستعملها أهل الخلاعة والمجون ولو كان كذلك لأشبه أن لا يقتصر في ذلك على سد المسامع فقط دون أن يبلغ فيه من النكير مبلغ الردع والتنكيل والله أعلم.

.ومن باب اللعب بالبنات:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عوف حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا عمارة بن غزية أن محمد بن إبراهيم حدثه، عَن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر». وذكر الحديث.
قال الشيخ: السهوة عن الأصمعي كالصفة تكون بين يدي البيت، وقال غيره السهوة شبيهة بالرف والطاق يوضع فيه الشيء.

.ومن باب الأرجوحة:

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا محمد، يَعني ابن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن قال قالت عائشة رضي الله عنها «قدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج قالت فوالله إني لعلى أرجوحة بين عذقين فجاءتني أمي فأنزلتني ولي جميمة» وذكر الحديث.
قال الشيخ: تريد بالعذقين نخلتين، والعذق بفتح العين النخلة؛ العذق بكسرها الكباسة والجميمة تصغير الجمة من الشعر.

.ومن باب النصيحة:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد عن تميم الداري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ورسوله وأئمة المؤمنين وعامتهم».
قال الشيخ: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غيرها، وأصل النصح في اللغة الخلوص يقال نصحت العسل إذا خلصته من الشمع.
فمعنى نصيحة لله سبحانه صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته والنصيحة لكتاب الله الإيمان به والعمل بما فيه، والنصيحة لرسوله التصديق بنبوته وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه والنصيحة لأئمة المؤمنين أن يطيعهم في الحق وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم.

.ومن باب تغيير الأسماء:

قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هشام بن سعيد الطالقاني أنبأنا محمد بن المهاجر حدثني عقيل بن شبيب، عَن أبي وهب الجشمي وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة».
قال الشيخ: إنما صار الحارث من أصدق الأسماء من أجل مطابقة الاسم معناه الذي اشتق منه وذلك أن معنى الحارث الكاسب يقال حرث الرجل إذا كسب واحتراث المال كسبه ومنه قول امرئ القيس:
ومن يحترث حرثي وحرثك يُهزل

وقال سبحانه: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها} [الشورى: 20].
وأما همام فهو من هممت بالشيء إذا أردته وليس من أحد إلاّ وهو يهتم بشيء وهو معنى الصدق الذي وصف به هذان الاسمان، وأقبحها حرب لما في الحرب من المكاره وفي مرة من البشاعة والمرارة، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس قال: «ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين ولد والنبي صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيرًا له» وذكر الحديث.
قال الشيخ: قوله: «يهنأ» معناه يطليه بالقطران ويعالجه به والهناء القطران.

.ومن باب تغيير الاسم القبيح:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر حدثني بشير بن ميمون عن عمه أسامة بن أخدري «أن رجلًا يقال له أصرم كان في النفر الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك قال أنا أصرم قال بل أنت زرعة».
قال الشيخ: إنما غير اسم الأصرم لما فيه من معنى الصرم وهو القطيعة يقال صرمت الحبل إذا قطعته وصرمت النخلة إذا جذذت ثمرها.
قال أبو داود: وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وحُباب وشهاب وارض تسمى عفرة فسماها خضرة.
قال الشيخ: أما العاص فإنما غيره كراهة لمعنى العصيان وإنما سمة المؤمن الطاعة والاستسلام، وعزيز إنما غيره لأن العزة لله سبحانه وشعار العبد الذلة والاستكانة وقد قال سبحانه عندما يقرع بعض أعدائه: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49] وعتلة معناها الشدة والغلظة، ومنه قولهم رجل عتل أي شديد غليظ ومن صفة المؤمن اللين والسهولة، وقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون هينون» وشيطان اشتقاقه من الشطن وهو البعد من الخير، وهو اسم المارد الخبيث من الجن والإنس، والحكم هو الحاكم الذي إذا حكم لم يرد حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير الله سبحانه ومن أسمائه الحكم.
وغراب مأخوذ من الغرب وهو البعد. ثم هو حيوان خبيث الفعل خبيث الطعم وقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الحل والحرم.
وحباب نوع من الحيات وقد روي أن الحباب اسم الشيطان فقيل أنه أراد به المارد الخبيث من شياطين الجن، وقيل إن نوعًا من الحيات يقال لها الشياطين ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: {طلعها كأنه رءوس الشياطين} [الصافات: 65] والشهاب شعلة من النار والنار عقوبة الله سبحانه وهي محرقة مهلكة.
وأما عفرة فهي نعت للأرض التي لا تنبت شيئًا أخذت من العفرة وهي لون الأرض فسماها خضرة على معنى التفاؤل لتخضر وتمرع.
قال أبو داود: حدثنا النفيلي أنبأنا زهير حدثنا منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن ربيع بن عميلة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسمين غلامك يسارًا ولا رباحًا ولا نجيحًا ولا أفلح فإنك تقول أثم هو فيقول لا إنما هن أربع فلا تزيدن عليّ».
قال الشيخ: قد بين النبي صلى الله عليه وسلم المعنى في ذلك وذكر العلة التي من أجلها وقع النهي عن التسمية بها وذلك أنهم كانوا يقصدون بهذه الأسماء وبما في معانيها أما التبرك بها أو التفاؤل بحسن ألفاظها فحذرهم أن يفعلوه لئلا ينقلب عليهم ما قصدوه في هذه التسميات إلى الضد وذلك إذا سألوا، فقالوا أثم يسار أثم رباح فإذا قيل لا تطيروا بذلك وتشاءموا به وأضمروا على الإياس من اليسر والرباح، فنهاهم عن السبب الذي يجلب لهم سوء الظن بالله سبحانه ويورثهم الإياس من خيره.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: «أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك».
قال الشيخ: قوله: «أخنع» معناه أوضع وأذل والخنوع الذلة والاستكانة.
وأخبرني أبو محمد عبد الله بن شبيب حدثنا زكريا المنقري حدثنا الأصمعي قال: سمعت أعرابيا يدعو فيقول: اللهم إني أعوذ بك من الخنوع والقنوع وما يغض طرف المرء ويغري به لئام الناس، فالخنوع الذل والقنوع المسألة.
ومنه قول الله تعالى: {وأطعموا القانع والمعتر} [الحج: 36].